قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني إن إصدارات السندات الخليجية ارتفعت خلال الربع الأول من 2023، إذ جمعت الحكومات والشركات في المنطقة 21.3 مليار دولار من أدوات الدين مقابل 17.2 مليار دولار في الربع الرابع من عام 2022، بزيادة ربع سنوية 24%.
وبلغ إجمالي قيمة أدوات الدين مستحقة السداد على دول المنطقة 611 مليار دولار بنهاية الربع الأول من 2023، بارتفاع هامشي مقارنة بالربع السابق، وتعتبر هناك حاجة أقل على المدى القريب لزيادة إصدارات أدوات الدين نظرا لارتفاع عائدات النفط وتحسن أرصدة المالية العامة.
إلا أن حكومات المنطقة، خاصة السعودية، استفادت من تقليص الهوامش بين عائدات سنداتها والسندات الأميركية (على الرغم من اتساع الهوامش في الآونة الأخيرة، إلا أنها لا تزال جذابة نظرا لتحسن الأوضاع المالية)، ونجحت في الحصول على تسعير أفضل وإصدار كميات هائلة من السندات والصكوك الجديدة في إطار تمويلها جزئيا لإصدارات الدين القائمة بالفعل.
وكالعادة، استحوذت السعودية والإمارات على النصيب الأكبر من إصدارات أدوات الدين في الربع الأول من عام 2023، إذ أصدرت الحكومة السعودية سندات يوروبوند بقيمة 10 مليارات دولار مقسمة لثلاث شرائح مستحقة السداد خلال 5 و10.5 و30 عاما.
في حين أعلن صندوق الاستثمارات العامة السعودي عن إصدار شريحة جديدة من سنداته الخضراء، في ثاني طرح للصندوق خلال أربعة أشهر، إذ قام بإصدار سندات بقيمة 5.5 مليارات دولار على ثلاث شرائح مستحقة السداد في 7 و12 و30 عاما، وتلقى طلبات بقيمة 32 مليار دولار.
إضافة لذلك، واصلت الحكومة السعودية برنامج إصدار الصكوك المحلية، إذ قامت ببيع صكوك جديدة بقيمة 2.8 مليار دولار مقابل 3.3 مليارات دولار في الربع السابق، كما جمعت إمارة الشارقة سندات مستدامة بقيمة مليار دولار في الربع الأول من العام، وضمن أبرز إصدارات الشركات، أصدر بنك أبوظبي الأول سندات بقيمة 600 مليون دولار بأجل 5.25 سنة.
وعلى صعيد عائدات السندات العالمية، قال «الوطني» إنها تراجعت بشكل حاد في الربع الأول من 2023 في ظل تصاعد مخاطر الركود في الولايات المتحدة. وساهمت أزمة البنوك الأميركية في تعزيز مخاوف تشديد القيود الائتمانية والضغط على السيولة، هذا إلى جانب المخاطر المستمرة التي يتعرض لها سوق العقارات التجارية، مما تسبب في ظهور «تأثير الدومينو».
ويتوقع السوق خفض أسعار الفائدة في وقت لاحق من العام الحالي، مما يعزز أسعار السندات، وإضافة لذلك، لاتزال البيانات الاقتصادية الواردة ضعيفة، مما يعزز آمال استمرار تراجع معدلات التضخم. كما انخفضت عائدات السندات السيادية الخليجية بعد تأثرها بالأوضاع العالمية.
ومع بداية الربع الثاني من العام، مازالت عائدات السندات ضعيفة نسبيا رغم ارتفاعها مؤخرا، مع استمرار مخاوف الركود، وقد يؤدي تزايد المخاوف المتعلقة بتدهور الأوضاع الاقتصادية إلى تعزيز جاذبية السندات باعتبارها «الملاذ الآمن»، مما يؤدي بدوره للضغط على العائدات.
في المقابل، يساهم تذبذب أسعار السلع الأساسية، بما في ذلك النفط، في رفع حالة عدم اليقين حول مسار التضخم، مما يبقي أسواق السندات في حالة تأهب شديد، وبدأت معدلات التضخم للاقتصادات المتقدمة في الانحسار وسط التأثيرات الناجمة عن السياسات النقدية المتشددة وانخفاض تكاليف الطاقة مقارنة بالعام الماضي.
إلا ان معدلات التضخم الأساسي مازالت مرتفعة ولم تتراجع بالوتيرة نفسها، وواصلت معظم البنوك المركزية رفع الفائدة، وان كان بوتيرة أبطأ مقارنة بعام 2022، إذ رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة 25 نقطة أساس في الاجتماعين الأخيرين، في حين رفع البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة مرتين بمقدار 50 نقطة أساس خلال الربع الأول من العام.
وجاءت الزيادات الأخيرة بالرغم من الاضطرابات المستمرة لقطاع البنوك في الولايات المتحدة وأوروبا (أزمة بنك كريدي سويس). إلا أنه مازالت هناك توقعات تشير إلى أن دورة رفع أسعار الفائدة الحالية تقترب من نهايتها مع استمرار مساعي كبح التضخم.
وارتفعت عائدات السندات في بادئ الأمر بمستهل شهر مارس بسبب الموقف المتشدد الذي اتخذه الاحتياطي الفيدرالي، لكن المكاسب سرعان ما تلاشت لاحقا، إذ أدت أزمة بنك سيلكون فالي في الولايات المتحدة لتفاقم مخاوف الركود وإمكانية الدخول في أزمة ائتمانية، مما أدى إلى انخفاض عائدات السندات خلال النصف الثاني من الشهر.
وفي الوقت الحالي، يبدو من غير المحتمل حدوث أزمة تعصف بقطاع البنوك بالكامل، إذ انعكس اتجاه سحب الودائع خلال الأسابيع الأخيرة، مما يعني حدوث استقرار نسبي للقطاع، وقد تصبح السندات متقلبة إذا عادت مخاوف عدوى انتشار تلك الاضطرابات للظهور مجددا، مما يؤدي إلى تزايد الضغوط الجوهرية على السيولة وشروط منح الائتمان.
وجاء انخفاض عائدات السندات في الأسواق المتقدمة بالربع الأول من 2023 بقيادة سندات الخزانة الأميركية (انخفضت عائدات السندات لأجل 10 سنوات بمقدار 28 نقطة أساس)، تليها السندات الألمانية (-25 نقطة أساس) والسندات البريطانية (-18 نقطة أساس).
كما انخفضت عائدات سندات الحكومة اليابانية أيضا من السقف الذي حدده بنك اليابان والبالغ 0.5%، وأدى تغيير قيادة بنك اليابان في بداية الأمر لارتفاع عائدات السندات، إلا انها سرعان ما عادت للتراجع بسبب الغموض المحيط بإمكانية تغيير السياسة النقدية التيسيرية.
وفيما يخص عائدات السندات السيادية الخليجية، ذكر التقرير انها تراجعت عائدات السندات السيادية متوسطة الأجل في الربع الأول من عام 2023 وذلك للربع الثاني على التوالي، بصدارة قطر والكويت، إذ انخفضت بواقع 29 نقطة أساس و27 نقطة أساس على التوالي.
في المقابل، سجلت السعودية، التي تكون عادة أكبر الجهات المصدرة لأدوات الدين على مستوى المنطقة، انخفاضا هامشيا في عائدات السندات (-7 نقاط أساس) خلال الربع الأول من العام، وذلك رغم رفع وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز لتصنيفها الائتماني إلى A/ A-1 بنظرة مستقبلية مستقرة، في إشارة تؤكد التقدم الهائل الذي شهدته الإصلاحات والتحسن الهيكلي للقطاعات غير النفطية.
ونظرا للتحسن الشامل لملف الإصدارات السيادية للمملكة، ارتفعت أسعار السندات بقوة في الربع الرابع من عام 2022، مما أدى لانخفاض العائدات وتقليص الهوامش بينها وبين السندات الأميركية، إلا أنه في الربع الأول من عام 2023، اتسعت الهوامش مرة أخرى في ظل تراجع عائدات السندات السعودية بنسبة أقل مقارنة بالانخفاض الذي شهدته السندات الأميركية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.
وتشير النظرة المستقبلية إلى احتفاظ سوق السندات الإقليمية بجاذبيتها المعتادة، إذ تساهم قوة المركز المالي وارتفاع أسعار النفط والتقدم المستمر في السياسات الموجهة نحو الإصلاح في توفير رؤية أفضل للتوقعات الاقتصادية على المدى الطويل. لذا، فإنه من المرجح أن تحظى السندات الخليجية بدعم جيد نسبيا في حالة تصاعد حالة عدم اليقين في أسواق السندات العالمية.