تقليص البيروقراطية وتعزيز الإنتاجية لإصلاح إدارة المؤسسات الحكومية

خلص تقرير يتعلق بإصلاح الإدارة الحكومية، أعده معهد مجموعة الطريجي القانونية للتدريب الأهلي، إلى أن تخليص الإدارة الحكومية من مشاكلها المزمنة والمعروفة، يعد مدخلا مهما لإطلاق القدرات والمقومات الكامنة في الاقتصاد بهدف تعزيز النمو الاقتصادي ودفع عجلة التنمية.

وقال التقرير إن الغرض الأساسي للإدارة الحكومية ليس التشغيل أو الحد من البطالة، ولكن تقديم التسهيلات والخدمات التي تسهم في معالجة هاتين المشكلتين وتيسر انسياب الأعمال والخدمات والاستثمار وخلق فرص العمل، مضيفا أنه كلما استمرت الإدارة الحكومية في وظيفة تشغيل العمالة الوطنية أكثر من حاجتها وطاقتها، زادت تكلفتها، وتعقدت إجراءاتها، وقل نفعها، وتراجع دورها في أداء وظائفها الأساسية في خدمة الدولة والمجتمع.

وأشار التقرير إلى أن من أساسيات علم الإدارة العامة الحديث التناسب العكسي بين حجم الإدارة الحكومية (هياكلها المؤسسية، والعاملين بها) والإنتاجية، فكلما كان حجم الإدارة العامة أكبر مما تقدمه من خدمات وسلع عامة انخفضت إنتاجيتها، وكلما زاد حجمها بزيادة عدد الموظفين بها انخفضت إنتاجية الموظف، فالعلاقة عكسية بينهما، ولا ينفع معها إجراءات إصلاحية جزئية ربما تؤجل المشكلة، فالحجم الكبير للإدارة العامة الذي يفوق الحاجة إليها يتحول تدريجيا إلى عبء على الدولة والإنفاق والتنمية.

حدد التقرير مجموعة من الإجراءات التي قال انها ضرورية لكنها محدودة الأثر، لاسيما في ظل المحاولات الحالية لمعالجة أوضاع الإدارة الحكومية البيروقراطية والمعقدة والمتشعبة من خلال إجراءات ذات أثر محدود يصعب ان تؤدي إلى تحقيق الأهداف المطلوبة بتحويلها إلى إدارة فعالة منخفضة التكلفة ومرتفعة الإنتاجية، فكفاءة الإدارة العامة تكون في أن تنفق أقل «تكلفة» لتحصل على أكثر «إنتاجية»، وهو ما لا تحققه الإجراءات الجزئية التي لا ترقى إلى إصلاح بنيوي شامل، ومن هذه الإجراءات على سبيل المثال:

1 – بصمة الحضور الثالثة للموظفين.

2 – تقسيم فترة العمل إلى فترتين صباحية ومسائية.

3 – إجراءات الدمج المؤسسي، فهذه الإجراءات، على أهميتها، من الصعب أن تؤدي إلى حلول ومعالجات جذرية ومستدامة لأوضاع الإدارة الحكومية.

واستعرض التقرير الإجراءات على النحو التالي:

أولا: فيما يتعلق ببصمة الحضور الثالثة، قال التقرير إنه في حين أنه لم يتبين من أي تقييم رسمي أثر ونتائج تطبيق البصمة الثالثة في زيادة الإنتاجية حتى الآن، فإن المشاهدات الأولية لتطبيقها والناتجة عن الالتزام بالحضور خلال فترة العمل الرسمية بينت حجم البطالة المقنعة، وعدم كفاية السعة المكانية لتوفير مكاتب ومقرات العمل على نحو يتناسب مع أعداد الموظفين، بل وأصبح تواجد الموظفين في بعض مقرات العمل يربك انسيابيته، وقد يخفض إنتاجيته، فهل ذلك ما يراد تحقيقه؟ وتساءل في هذا الصدد..هل الهدف من هذا الإجراء زيادة الإنتاجية أو مجرد إلزام الموظف بساعات العمل؟ وهنا لا ينبغي ان يفهم بأن الالتزام بساعات العمل أمر غير مهم، بل على العكس من ذلك فهو أمر ضروري، إلا أنه لا ينبغي النظر إليه كوسيلة لزيادة الإنتاجية ومعالجة المشاكل البيروقراطية المزمنة للإدارة العامة، رغم أنه يعتبر خطوة مهمة في ضبط العمل.

ثانيا: فيما يتعلق بالدوام المسائي المرتقب في يناير 2025 للإدارة الحكومية، وحسبما حدده ديوان الخدمة المدنية بإمكانية ان يلتحق به 30% من الموظفين، لفت التقرير إلى أن هذا الإجراء وعلى الرغم من أهميته، إلا انه لا يتبين اثره على الإنتاجية ولا على تقليص التكاليف، بل أنه قد يؤدي إلى رفع التكاليف في ضوء المصروفات التشغيلية التي تتطلبها فترة العمل المسائية، وقد تتيح هذه الفترة الفرصة لتتحول الفترة المسائية للعمل الحكومي تدريجيا إلى مساحة اخرى لزيادة التوظيف في ظل ضغوطات الطلب على التوظيف للقادمين الجدد لسوق العمل طالما بقيت الإدارة الحكومية المشغل الرئيسي للعمالة الوطنية.

ووفقا للضوابط التي حددها ديوان الخدمة المدنية لفترة العمل المسائية، فإنها تضيف قواعد وإجراءات إدارية على الإدارة العامة علاوة على ما تعج به أصلا من قواعد وإجراءات، غير ان ذلك لا يحد من فرصة زيادة الإنتاجية بالإضافة إلى ما يوفره من مساحة زمنية إضافية أمام المواطن لمتابعة معاملاته.

ثالثا: الإجراء الثالث لإصلاح الإدارة الحكومية يتمثل في الدمج والإلغاء المؤسسي وفق مقترحات وزارة المالية التي حددت نسبا معتبرة لانخفاض تكاليف التشغيل، وستكون هذه النسب على المحك في المستقبل. ورغم اهمية ذلك في إطار اصلاح اداري هادف إلى تقليص الإدارة الحكومية وتخفيض التكاليف، الا انه، من واقع ما رشح من معلومات ومبررات، لا يبدو انه سيؤدي إلى تخفيض معتبر في التكاليف، ومن المتوقع في الاجلين المتوسط والطويل ان تعود التكاليف المخفضة تدريجيا لسابق عهدها مع الوقت، اذ لا تتوافر الدراسات التي تم الاستناد اليها في اعداد هذا المقترح ولا دور جهة الاختصاص، ديوان الخدمة المدنية.

تقليص البيروقراطية وتعزيز الإنتاجية لإصلاح إدارة المؤسسات الحكومية

المصدر

Exit mobile version