«الوطني»: تحسن آفاق نمو الاقتصاد العالمي.. رغم استمرار ظروف عدم اليقين

قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، إن آفاق نمو معظم الاقتصادات المتقدمة تحسنت في الأشهر القليلة الماضية، مع تراجع إمكانية الدخول في مرحلة الركود، إذ أكد الإنفاق الاستهلاكي مرونته على الرغم من رفع أسعار الفائدة بوتيرة متسارعة وارتفاع معدلات التضخم.

كما بدأت تداعيات الأزمة المصرفية الأخيرة بالتلاشي دون أن تتأثر ظروف الائتمان بشكل كبير. إضافة لذلك، تم حل مأزق سقف الدين الأميركي بدون تداعيات كبيرة باستثناء إجراء خفض بسيط للنفقات الحكومية في المستقبل وضبابية الرؤية فيما يتعلق بمدى التأثيرات المرتبطة بإصدار أدوات الدين الحكومية بمبالغ كبيرة في وقت لاحق.

وتراجع معدل تضخم أسعار المستهلكين بصورة حادة عن المستويات القياسية المرتفعة التي شهدتها كبرى الأسواق المتقدمة، على الرغم من أن التضخم الأساسي أثبت ترسخه، مما يدعم مواصلة تطبيق السياسات النقدية المتشددة.

من جهة أخرى، كان التعافي الاقتصادي في الصين في مرحلة ما بعد الجائحة متفاوتا ومخيبا للآمال، مما أثر على الأرصدة الخارجية للعديد من الدول وقد يكون امتد ليشمل أسعار النفط أيضا.

آفاق حذرة لنمو الاقتصاد الأميركي

تباينت المؤشرات الاقتصادية الأميركية الصادرة مؤخرا، إلا أنها لا تتوافق مع الانزلاق للركود. كما يبدو أن تداعيات الأزمة المصرفية قد بدأت تستقر دون تغييرات جوهرية على أوضاع السيولة منذ مارس الماضي.

كما حلت الحكومة مأزقا رفع سقف الدين الذي استمر على مدار أسابيع عديدة مع نواب المعارضة في «اللحظات الأخيرة»، وهو الأسلوب المعتاد والمحبط الذي غالبا ما نشهده في مثل تلك الظروف، مما ساهم في تجنب التخلف عن السداد من خلال تعليق سقف الدين الفيدرالي وتغطية الإنفاق التقديري غير الدفاعي.

واستمر انحسار ضغوط الأسعار عن كاهل المستهلك، إلا ان تلك التطورات قابلها استمرار تشديد أوضاع سوق العمل. وتبدو مهمة الاحتياطي الفيدرالي الآن أكثر تعقيدا، مع الأخذ في الاعتبار حجم سندات الخزانة التي تخطط الولايات المتحدة لإصدارها بعد التوصل لصفقة رفع سقف الدين (تقدر بأكثر من تريليون دولار بنهاية 2023) والتي من شأنها أن تؤدي لتفاقم ضغوط السيولة.

وتم تعديل تقديرات النمو الاقتصادي للربع الأول من 2023 ورفعها إلى 1.3% على أساس ربع سنوي (محتسبة على أساس سنوي) مقابل 1.1% في وقت سابق، نتيجة رفع تقدير الاستثمارات الثابتة الخاصة والاستهلاك الشخصي، وذلك بالرغم من استمرار تباطئه من 2.6% في الربع الرابع من 2022.

كما تحسنت مبيعات التجزئة والإنتاج الصناعي والإنفاق الشخصي في أبريل عن الشهر السابق، في حين جاء معدل نمو طلبات السلع المعمرة أفضل مما كان متوقعا، بالرغم من تباطئه على أساس شهري.

ويبدو أن سوق العقار السكني، الذي شهد تباطؤا حادا خلال الأرباع القليلة الماضية قد بدأ يستقر في ظل ارتفاع مبيعات المنازل الجديدة وتصاريح البناء والمباني السكنية الجديدة، إذ ارتفعت أسعار العقارات السكنية في مارس للشهر الثاني على التوالي بنسبة 1.5% على أساس شهري بعد سبعة أشهر متتالية من التراجع. إلا أن مؤشرات مديري المشتريات وثقة المستهلك الصادرة عن جامعة ميشيغان قد تراجعت في الأشهر الأخيرة، مما يؤكد عدم وضوح آفاق النمو الاقتصادي.

الاقتصاد الأوروبي أفضل حالاً

انزلقت منطقة اليورو رسميا للركود في الربع السابق من هذا العام، إذ كشفت البيانات المعدلة عن انخفاض الناتج المحلي بنسبة 0.1% على أساس ربع سنوي خلال الربع الرابع من 2022 والربع الأول من 2023 وساهم الشتاء المعتدل في تجنب الدخول في ركود أعمق. وعلى الرغم من ذلك، هناك بعض التفاؤل بشأن التوقعات، إذ رفعت المفوضية الأوروبية توقعاتها للنمو في عام 2023 إلى 1.1% مقابل 0.9% في فبراير.

ومن المتوقع أن ينتعش الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من العام بدعم من قطاع الخدمات الذي يقود عملية التعافي، كما يتضح من قراءات مؤشر مديري المشتريات الأخيرة. وبقي مؤشر مديري المشتريات المركب في مرحلة توسعية، إذ بدأ النمو في الاعتدال ووصل إلى مستوى 52.8 في مايو مقابل 54.1 في أبريل، مدفوعا بصفة رئيسية بأداء قطاع الخدمات (55.1)، في حين انكمش قطاع التصنيع بوتيرة أعلى (44.8). وكانت معدلات التضخم الكلي قد بدأت في التراجع، وكذلك التضخم الأساسي، مما يشير إلى أن البنك المركزي الأوروبي قد لا يضطر إلى رفع أسعار الفائدة بقوة خلال هذا الصيف.

وأدى ضعف الاقتصاد الألماني إلى تباطؤ القطاع الصناعي خلال الفترة الماضية إذ سقطت البلاد في حالة ركود وسط انكماش الإنتاج بنسبة 0.3% على أساس ربع سنوي في الربع الأول من العام، مما يمثل الربع الثاني على التوالي من النمو السلبي. من جهة أخرى، نما اقتصاد فرنسا بنسبة 0.2% بفضل المساهمة الإيجابية لصافي التجارة وتراجع الطلب المحلي. كما نما اقتصاد إيطاليا أيضا بنسبة 0.5% على خلفية النمو القوي لقطاع الخدمات (خاصة السياحة).

وبالنسبة للمملكة المتحدة، فبالرغم من تسجيل اقتصادها لمعدل نمو إيجابي، إلا أنه لا يزال أضعف مقارنة بباقي الاقتصادات الكبرى داخل أوروبا وخارجها. وسوف تستمر عدة عوامل في تعزيز ودعم التوقعات من ضمنها الاستثمار والإنفاق الحكومي، بما في ذلك تدابير دعم فاتورة الطاقة.

وتراجع التضخم إلى 8.7% على أساس سنوي في شهر أبريل مقابل 10% في يناير، إلا أن معدل التضخم الأساسي ارتفع بشكل مثير للقلق إلى 6.8% مقابل 5.8% المسجلة في يناير. وقد يدعم تشديد أوضاع سوق العمل نمو الأجور، والذي يؤدي بدوره إلى دفع الشركات لرفع الأسعار ـ والذي يعتبر أحد التفسيرات التي تبرر ترسخ معدل التضخم الأساسي. ومن المتوقع أن يواصل بنك إنجلترا رفع سعر الفائدة (حاليا عند مستوى 4.5%) خلال الصيف، وقد تصل المعدلات لذروتها بنهاية العام عند مستوى 5.5%.

السياحة تدعم نمو الناتج المحلي لليابان

تذبذبت آفاق نمو الاقتصاد الياباني وسط تزايد الاستهلاك المحلي وتحسن السياحة، في حين كان التصنيع بطيئا نظرا لهشاشة الطلب الخارجي، خاصة من الصين. وكان أداء الناتج المحلي في الربع الأول من 2023 مفاجئا، إذ بلغ معدل النمو السنوي 2.7% مقارنة بالربع السابق ومقابل 1.9% المتوقعة. وأدى ارتفاع الاستهلاك الخاص (الناجم عن الأنشطة السياحية) وزيادة الإنفاق الرأسمالي لتحسن الأداء رغم تقلص الطلب الخارجي. وارتفع عدد السياح الأجانب إلى مليوني سائح (+7% على أساس شهري) في أبريل ـ وهو أعلى المستويات المسجلة بعد الجائحة، لكنه ما يزال أقل من مستويات ما قبل الجائحة بنحو الثلث. وكشفت قراءة مؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات عن مواصلة النمو منذ بداية العام الحالي، مما يشير لتوافر طلب محلي قوي وانتعاش حاد لأنشطة السياحة. كما تشير استطلاعات القطاع الصناعي أيضا لبعض التحسن، بعد أن تجاوزت منطقة الحياد في مايو، للمرة الأولى منذ سبعة أشهر.

في الوقت ذاته، عكس التضخم (باستثناء المواد الغذائية الطازجة) مساره في أبريل وارتفع إلى 3.4% مقابل 3.1% في مارس. وأدى النمو الاقتصادي بوتيرة أفضل من المتوقع في الربع الأول من العام وارتفاع معدل التضخم متخطيا المستوى المستهدف من بنك اليابان البالغ 2% إلى تأجيج التكهنات حول تحول مسار السياسة النقدية (نحو سياسة أكثر تشددا) في وقت أقرب مما كان متوقعا في السابق. إلا أن نمو الأجور ـ أحد أهم المؤشرات التي يتتبعها بنك اليابان قد يسهم في بقاء التضخم مرتفعا ـ إذ تباطأ على نطاق واسع في عام 2023.

وإضافة لذلك، فإنه مع انخفاض الأجور الحقيقية تتقلص توقعات الاستهلاك الخاص، مما قد يوفر أسبابا إضافية تدفع بنك اليابان للإبقاء على سياساته التيسيرية. ويبدو من المستبعد أن يتجه بنك اليابان لتحويل مسار سياساته في اجتماعه المقبل المقرر انعقاده في وقت لاحق من هذا الأسبوع.

النمو بالصين.. انتعاش متفاوت

بدأ الاقتصاد الصيني عام 2023 بأداء قوي، إذ نما الناتج المحلي بنسبة 4.5% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2023، وارتفعت قراءات مؤشر مديري المشتريات المركب لمستويات قياسية في شهر مارس، إلى جانب انتعاش أنشطة الخدمات ومبيعات التجزئة.

ولكن منذ ذلك الحين، بدأ الانتعاش بعد الجائحة يفقد زخمه، مع تقلص أنشطة التصنيع وضعف معدلات الاستهلاك. وانخفض مؤشر مديري المشتريات التصنيعي الرسمي لأدنى مستوياته المسجلة في أربعة أشهر في مايو (48.8) وسط ضعف آفاق نمو الاقتصاد العالمي.

وزاد الأمر تعقيدا ضعف الطلب المحلي، وتقلصت الواردات في مايو بنسبة 4.5% على أساس سنوي وتراجع مؤشر أسعار المستهلكين إلى 0.2% على أساس سنوي، مع بقاء مؤشر أسعار المنتجين في حالة انكماش منذ أكتوبر 2022.

وفي ظل ضعف الطلب العالمي، انخفضت الصادرات بنسبة 7.5% على أساس سنوي في مايو. وارتفعت معدلات بطالة الشباب لمستويات قياسية (20.4%) في أبريل، قبل ثلاثة أشهر من ذروتها الموسمية في يوليو، إذ من المتوقع أن يدخل 11.6 مليون خريج جديد إلى سوق العمل، مما سيؤثر سلبا على اتجاهات التوظيف.

وأدى ضعف الاقتصاد لعكس تدفقات رأس المال، وتخلي اليوان الصيني عن بعض مكاسبه التي كان قد أحرزها مقابل الدولار بعد إعادة فتح الاقتصاد. وفي الوقت ذاته، ما زالت الآمال المتعلقة بتعافي القطاع العقاري متذبذبة، إذ انخفضت استثمارات المطورين العقاريين بالرغم من ارتفاع مبيعات العقارات السكنية.

المصدر

Exit mobile version