قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، إن نمو الاقتصاد غير النفطي في السعودية بقي قويا رغم ارتفاع أسعار الفائدة، إذ بلغ 5.3% في النصف الأول من عام 2023 مقابل نمو نسبته 4.8% في عام 2022. وبقي أداء القطاع الخاص (+5.7% في النصف الأول من العام) المحرك الرئيسي للنمو، على الرغم من زيادة معدل نمو القطاع الحكومي ليصل إلى 3.7%.
وعلى مستوى القطاعات المختلفة، ساهمت التجارة والمطاعم والفنادق بأكبر قدر في نمو الناتج المحلي الإجمالي، إذ توسعت بنسبة 8.7% في النصف الأول من العام الحالي بدعم من التركيز القوي على تعزيز قطاع السياحة.
وفيما يتعلق بحساب الناتج المحلي الإجمالي على أساس الإنفاق، استمر استثمار القطاع الخاص في المساهمة الأكبر في نمو الناتج المحلي الإجمالي، إذ نما بنسبة 8.5% بالنصف الأول من العام الحالي، في حين شهد الاستثمار الحكومي أسرع وتيرة نمو بنسبة 21%، وكلاهما يشير إلى النمو القوي الذي شهدته الطاقة الإنتاجية، في مؤشر جيد على النمو المستقبلي.
ومن المتوقع أن تستمر ديناميكيات النمو المواتية في عامي 2023-2024 على الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة. كما أن الإنفاق الاستهلاكي لا يزال قويا في ظل ارتفاع قيمة معاملات نقاط البيع منذ بداية العام حتى أكتوبر الماضي بنحو 10% على أساس سنوي، إلا أنه تباطأ من +18% في عام 2022. ومازال الائتمان المصرفي يسجل نموا بمعدل ثنائي الرقم وصل إلى نحو 10% على أساس سنوي حتى سبتمبر الماضي، بدعم من نمو ائتمان قطاع الأعمال (+12%) وقروض الرهن العقاري (+13%) على الرغم من تباطؤ ذلك النمو وشح السيولة في القطاع المصرفي.
من جهة أخرى، مازالت قراءة مؤشر مديري المشتريات تشير لنمو قوي، إذ بلغت في المتوسط 57.2 نقطة في الربع الثالث من العام الحالي، إلا أنها مازالت أقل من أعلى المستويات المسجلة في عدة سنوات عندما بلغت 59.2 نقطة في الربع السابق. وبالنظر لتلك العوامل، نتوقع أن يبقى نمو القطاع غير النفطي قويا بنهاية 2023 عند مستوى 4.7%، قبل أن يتراجع إلى معدل ما يزال يعتبر قويا بنسبة 4.5% في 2024 بدعم من نمو القطاع الخاص بنسبة تفوق 5%.
وتعزى آفاق النمو الإيجابية للإصلاحات المستمرة التي تحرص الحكومة على تطبيقها إضافة إلى السياسة المالية التوسعية. ووفقا للبيان التمهيدي لموازنة المملكة لعام 2024، فقد ارتفعت تقديرات المصروفات الحكومية في عامي 2024 و2025 بنسبة 13% مقارنة بالموازنة السابقة، وذلك في ظل تحول الحكومة إلى سياسة مالية توسعية، وتوقعت الحكومة تسجيل عجز مالي خلال هذين العامين مقابل توقعها السابق بتسجيل فائض. ويلعب صندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الوطني دورا جوهريا في تمكين هذا النمو، إذ ساهم الأول، على سبيل المثال، في خلق أكثر من 560 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة منذ عام 2016.
من جهة أخرى، وفي ظل زيادة أسعار الفائدة على الأموال الفيدرالية الأميركية بنسبة 5.25% منذ مارس 2022، اتخذ البنك المركزي السعودي تدابير مماثلة ورفع معدلات الفائدة 5%، هذا إلى جانب نقص السيولة بالقطاع المصرفي (نظرا لتسارع وتيرة نمو الائتمان مقارنة بالودائع)، مما دفع أسعار الفائدة بين البنوك للوصول إلى مستويات قياسية تخطت 6%.
إلا أن دورة التشديد النقدي على وشك الانتهاء، وتشير التوقعات الضمنية للسوق حاليا إلى إمكانية خفض أسعار الفائدة الأميركية بدءا من النصف الثاني من عام 2024، مما قد يخفف بعض الضغوط على أسعار الفائدة بين البنوك السعودية، وبالتالي خفض تكلفة الاقتراض، الأمر الذي سينعكس بصورة إيجابية على نمو الائتمان ونمو القطاع غير النفطي.
أما على صعيد القطاع النفطي فقد انكمش في النصف الأول من العام الحالي (-1.5%) نظرا لخفض حصص الإنتاج، التي تعمقت منذ يوليو الماضي، مما قد يؤدي لانخفاض متوقع بنسبة 8.7% في عام 2023.
وباتخاذ وجهة نظرنا الخاصة بديناميكيات سوق النفط في الاعتبار، فمن المتوقع ارتفاع إنتاج النفط عن المستويات الحالية، إلا أن معدل النمو سيبقى سلبيا (-1%) في عام 2024. ومن المرجح أن تواصل السعودية القيام بدور استباقي وفطن لإدارة إمدادات النفط العالمية، مما قد يؤدي لانحراف حاد لمستويات الإنتاج مقارنة بافتراضاتنا الخاصة بالإنتاج النفطي لعام 2024.
وبصفة عامة، فمن المتوقع أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة محدودة تبلغ 0.7% في عام 2023 نتيجة لضغوط القطاع النفطي، قبل أن ينمو بنسبة 2.4% في عام 2024 بدعم من القطاع غير النفطي.