طارق عرابي
أكد مدير عام الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بدر السعد، أن ظاهرة التغير المناخي باتت تمثل التحدي الأكبر لجميع دول العالم، وتكاد تكون منطقتنا العربية واحدة من أكثر المناطق تأثرا بظاهرة تغير المناخ وانعكاساته السلبية على اقتصاد المنطقة.
وأضاف في كلمته أمام المؤتمر العربي للتعاون حول التغير المناخي، والذي عقد في مقر الصندوق صباح أمس، أن جميع دول العالم قد تداعت لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، لأن التأثير أصبح متسارعا والآثار غدت ملموسة في حياة المواطنين، فالجفاف والحرائق وذوبان البحار المتجمدة واختفاء الأنهار الجليدية ظاهره أضحت تتكرر في فترات زمنية قصيرة.
وقال إنه منذ صدور قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1988 بتأسيس الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ، أعدت الهيئة 6 تقارير علمية تناولت بالدراسة الأسباب والعوامل التي تؤثر في مناخ الأرض، وخلصت إلى الإقرار بأن الأنشطة البشرية هي المتسببة بالزيادات الملحوظة في تركيزات الغازات الدفيئة التي نتج عنها احترار الغلاف الجوي والمحيطات والأرض.
وأوضح انه على الرغم من أن مساهمة الدول العربية في أسباب الاحترار منخفضة قياسا إلى غيرها، إذ بلغ متوسط انبعاثات الغازات الدفيئة السنوية للفترة 2016 – 2018 ما يقارب 5.3% فقط من متوسط إجمالي انبعاثات العالم، بينما بلغت مساهمات الدول الصناعية حوالي 80%، إلا أن آثارها على معيشة المواطن العربي أشد من تلك التي في الدول الصناعية.
التنمية المستدامة
ولفت السعد إلى أنه قد انعقد إلى الآن 27 مؤتمر أطراف (COP)، أهمها مؤتمرات كيوتو 1997، وباريس 2015 وغلاسكو 2021 التي تخللتها مفاوضات حول التوصل إلى بروتوكولات لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة حتى لا تزيد ارتفاع درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية فوق درجة حرارة الأرض مع بداية الثورة الصناعية.
إلا أن أهم ما دار في تلك المؤتمرات هو محاولة دول العالم الثالث الحصول على التزامات الدول الصناعية بخفض مستويات انبعاثاتها من جهة، والالتزام بتمويل إجراءات التكيف مع التغير الحراري من جهة أخرى.
وأكد أن غالبية الدول العربية باتت تواجه في مسيرتها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، صعوبات مالية لتحويل اقتصاداتها الوطنية إلى اقتصادات ذات مرونة مع التغير المناخي ومنخفضة تركيز الكربون، وهي تحتاج إلى تأهيل إدارات ذات كفاءة عالية وإلى توفير استثمارات كبيرة حتى تتمكن من الوفاء بالتزاماتها الوطنية (NDC) لتخفيف تأثيرات التغير المناخي والتكيف معها.
وأضاف: «على سبيل المثال فإن الاحتياجات المالية لـ 11 دولة عربية لتلبية التزاماتها الوطنية لتخفيف انبعاث الغازات الدفيئة، تقدر بحوالي 71 مليار دولار سنويا حتى 2030، وقد تركزت حوالي ثلاثة أرباع الاستثمارات الدولية ذات العلاقة بالتغير المناخي خلال الفترة 2019-2020 في دول شرق آسيا والمحيط الهادي وأوروبا وشمال أميركا، بينما بلغت الاستثمارات في دولنا العربية حوالي 2.5% من إجمالي الاستثمارات التي بلغت قيمتها حوالي 633 مليار دولار».
وأوضح أن تكاليف احتياجات دول العالم لمواجهة تأثيرات التغير المناخي، حتى عام 2030، قدرت بما يزيد عن 24 تريليون دولار، ولا تمثل جميع ميزانيات البنوك متعددة الأطراف (MDB) وميزانيات جميع مؤسسات التمويل الإنمائي (DFI) سوى 5% من احتياجات تلك الدول.
جهود جماعية
واختتم السعد بأن مسؤولية حل مشكلة التغير المناخي من خلال اعتماد إجراءات تخفيف معدلات انبعاثات الغازات الدفيئة أو التكيف مع آثارها تقع على عاتق جميع الدول، وتأخذ أبعادا متعددة وتتطلب جهدا جماعيا والتزاما عالميا بالتغير.
ولأنه من غير الواقعي أن يحيط مؤتمرنا بمختلف جوانب التعامل مع التغير المناخي من مشاريع، وسياسات وقواعد تنظيمية، وتقنيات. فقد تم التركيز فيه على تعزيز الجهود المشتركة بين مؤسسات التمويل العربية والإقليمية، حيث ستشارك معنا في المؤتمر تسع مؤسسات، لتفعيل التعاون العربي حول تغير المناخ، لأننا على قناعة تامة بأن جهودنا المشتركة وتعاضدنا في تمويل المشاريع ذات الأبعاد الرامية إلى التخفيف من الأسباب المفضية إلى ظاهرة تغير المناخ والتكيف مع هذه الظاهرة، وأن سعينا إلى تعديل السياسات والقواعد التنظيمية للقطاعات ذات الانبعاثات المرتفعة مثل قطاع الطاقة الكهربائية، وإرساء قواعد مشتركة بين مؤسساتنا لتحفيز القطاع الخاص في تمويل المشاريع الخضراء، ستكون لها آثار أكثر فاعلية في رفع استعداد دولنا للتكيف مع تغير المناخ، مقارنة بمنافع مداخلات مؤسساتنا الفردية في هذا الشأن، وسيكون وقعها أكبر والاستجابة لها أجدى وأسرع.
توقعات مستقبلية مخيفة
بدورها، أكدت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة الأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي أسيا (الأسكوا) د.رولا دشتي، على ان منطقتنا معرضة بشكل خاص لآثار تغير المناخ، وإلى موجات من الحر والعواصف الرملية التي تعرض صحة الناس للخطر وتؤثر على شبكات التجارة والنقل، فضلا عن الجفاف الذي يهدد الإنتاج الزراعي، والأمن الغذائي، وسبل العيش، وكذلك الفيضانات والعواصف التي تدمر المدن والسواحل والنظم الإيكولوجية.
وأشارت إلى أن التوقعات المستقبلية مخيفة، ففي هذا الشهر بالذات، حذرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية من ارتفاع درجات الحرارة العالمية في السنوات الخمس المقبلة إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، كما أن درجات الحرارة القصوى ليست جديدة على منطقتنا، وقد تصل إلى 54 درجة مئوية في الكويت والعراق.
وأكدت دشتي أن مكافحة تغير المناخ وتعزيز القدرة على التكيف في مواجهة درجات الحرارة الآخذة في الارتفاع، تقتضي اتخاذ إجراءات عاجلة ومنسقة وفعالة، تتطلب تمويلا يحدث فرقا، بينما نجد أن التمويل المناخي المتوافر حاليا في المنطقة العربية لا يكفي لتغطية احتياجاتها، مضيفة أنه لتمكين الدول من تحقيق أهدافها الداخلية والحد من التعرض لآثار المناخ، علينا أن نحسن كمية تدفقات التمويل ونوعية هذه التدفقات.
4 مطالب أساسية لمكافحة التغيرات المناخية
قالت د.رولا دشتي انه في سبيل تحقيق مكافحة التغيرات المناخية، يتطلب العمل على تحقيق 4 أمور أساسية، هي:
1- المزيد من الالتزامات بتمويل المناخ، حيث لم تتلق الدول العربية خلال العقد الماضي سوى 35 مليار دولار من التمويل الدولي للمناخ.
2- المزيد من التمويل المناخي القائم على المنح، والميسر، والمبتكر، مثل مبادرة مقايضة الديون بالعمل المناخي التي تقودها الإسكوا.
3- تركيز التمويل المناخي بشكل أكبر على التكيف، خاصة في البلدان العربية التي تعاني من ندرة المياه.
4- البلدان تحتاج إلى بيئة مؤاتية للاستثمار وأطر قانونية وتنظيمية قوية لتحسين تتبع التدفقات المالية المخصصة للتغيرات المناخية.