أسطورة سبتمبر تتحقق.. لماذا تعرضت الأسهم الأميركية لأكبر خسارة شهرية في 2023؟

تكبد سوق الأسهم الأميركية خسائر قوية في سبتمبر المنصرم، في تراجع جاء متوقعا وسط السجل السلبي لذلك الشهر في «وول ستريت»، ومع تحول التوقعات إلى استمرار معدلات الفائدة الأميركية المرتفعة لفترة أطول يتخوف المستثمرون من آفاق سوق الأسهم خلال ما تبقى من عام 2023.

وتعرض سوق الأسهم الأميركية في سبتمبر لأكبر خسارة شهرية منذ ديسمبر الماضي، مع تصاعد القلق حيال آفاق السياسة النقدية من جانب الاحتياطي الفيدرالي، وانخفض مؤشر «إس آند بي 500» بنحو 4.9% الشهر الماضي، ليتعرض لأكبر خسائره منذ بداية 2023 وثاني هبوط شهري على التوالي، كما هبط مؤشرا «داو جونز» و«ناسداك» المركب بنسبة 3.5% و5.8% على الترتيب في سبتمبر.

وعلى الصعيد الفصلي، انخفضت المؤشرات الثلاثة الرئيسية للأسهم الأميركية بنحو 3.7% و4.1% و2.6% على التوالي خلال الربع الثالث من هذا العام، وذكر «برنت شوت» كبير مسؤولي الاستثمار في «نورث وسترن ميوتشوال»، أن المستثمرين يشعرون بالحيرة بشأن ما إذا كان الاقتصاد الأميركي سيشهد حالة ركود أم هبوطا سلسا، مضيفا أن سبتمبر كان شهرا صعبا بالنسبة لسوق الأسهم الأميركي، مع حالة عدم اليقين بشأن وضع الاقتصاد الكلي، لكن رغم الهبوط القوي في سبتمبر وخلال الربع الثالث، لاتزال مؤشرات الأسهم الأميركية مرتفعة مقارنة بنهاية عام 2022، ويظل مؤشر «إس آند بي 500» مرتفعا بأكثر من 11% منذ بداية العام، كما يرتفع «داو جونز» و«ناسداك» بنحو 1% و26% على التوالي.

سجل سلبي تاريخيا

وقبل بداية شهر سبتمبر كانت المخاوف تتصاعد بشأن الأداء السيئ تاريخيا للأسهم الأميركية في ذلك الشهر، وشهدت ثلاثة أشهر فحسب متوسط عائد سالب منذ عام 1928، مع حقيقة أن سبتمبر كان الشهر الأسوأ أداء لسوق الأسهم الأميركي، ومنذ عام 1945 حقق مؤشر «إس آند بي 500» متوسط عائد شهري يبلغ -0.73% في سبتمبر، ما يعتبر أسوأ أداء شهري في العام.

كما كان سبتمبر الشهر الوحيد الذي شهد على مدار التاريخ تراجعا لمؤشر «إس آند بي 500» بشكل متكرر أكثر من ارتفاعه، بمعدل صعود يبلغ 44% فقط، وفي آخر خمس سنوات تراجع مؤشر الأسهم الأميركية 3.2% في المتوسط، ليهبط في آخر ثلاث سنوات على التوالي، وبالفعل واصلت الأسهم الأميركية سجل أدائها السلبي في سبتمبر، لتكرر خسائرها القوية في ذلك الشهر للعام الرابع على التوالي.

عوامل ضغط على السوق

هذا، وقد قالت «كارول شيلف» مديرة تكنولوجيا المعلومات في المكتب العائلي «بي إم أوه»، إن تراجع سوق الأسهم الأميركي جاء بسبب قائمة طويلة من المخاوف، وأشارت «شيلف» إلى أن قلق المستثمرين الأساسي يتركز في مدى قدرة الاحتياطي الفيدرالي على تحقيق الهبوط السلس للاقتصاد، وسط مخاوف بشأن الآفاق الاقتصادية للولايات المتحدة. وجاء تعرض الأسهم الأميركية لضغوط هبوطية بالتزامن مع موجة بيعية في سوق سندات الخزانة الأميركية، وصعد العائد على السندات الأميركية لأجل 10 سنوات لأعلى مستوى منذ عام 2007 عند 4.6% خلال الشهر الماضي، مع توقعات استمرار تشديد السياسة النقدية من جانب الاحتياطي الفيدرالي.

ويرى «جيم ريد» الخبير الاستراتيجي في «دويتشه بنك» أن الارتفاع الأخير في عوائد السندات يرجع جزئيا إلى أن المستثمرين يتوقعون استمرار معدلات الفائدة عند مستويات مرتفعة لفترة أطول، وقد توقع الفيدرالي في اجتماعه الأخير بقاء معدلات الفائدة المرتفعة لفترة أطول، مع توقعاته بإقرار زيادة إضافية في الفائدة قبل نهاية هذا العام، بعد تثبيتها في اجتماع سبتمبر عند 5.25% و5.5%، كما توقع الفيدرالي مسارا أكثر بطئا لعمليات خفض الفائدة في عام 2024، مقارنة بتوقعاته السابقة وتقديرات الأسواق المالية، وفي بداية سبتمبر كانت توقعات الأسواق تشير إلى أن الفائدة الأميركية ستبلغ 4.2% بحلول نهاية العام المقبل، لكن التقديرات وصلت في نهاية نفس الشهر إلى 4.8%.

ويرى «كيفين جوردون» كبير إستراتيجي الاستثمار في تشالز شواب، أن الأسواق كانت مخطئة بشأن توقع سياسة الفيدرالي طوال جزء كبير من العام، لكنها بدأت في اعتناق فكرة أن البنك المركزي ربما يعني بالفعل توقعاته بشأن السياسة، ويشير «روبرت فيبس» مدير شركة «بيير ستيرلنغ كابيتال» إلى أن ما يحرك كل شيء في سوق الأسهم حاليا هو معدلات الفائدة، وما دفع الفيدرالي المستثمرين للإيمان به هو أن تباطؤ التضخم لا يعد سببا كافيا لخفض الفائدة.

على جانب آخر، تأثرت الأسهم الأميركية سلبا بهدوء طفرة أسهم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في «وول ستريت»، وتتداول أسهم «العمالقة الـ7»، وهي: مايكروسوفت وميتا وآبل وأمازون وألفابت وتسلا وإنفيديا بعيدا عن قمتها المسجلة في يوليو الماضي، ما أثار التساؤلات حول مدى استدامة قفزة أسهم التكنولوجيا في وقت سابق من العام.

الضباب يسيطر على التوقعات

هذا، وتتباين توقعات المحللين بشأن أداء سوق الأسهم الأميركية خلال ما تبقى من العام الحالي، مع رؤى مختلفة حيال التطورات الاقتصادية وتلك الخاصة بالسياسة النقدية، وقال «ليز يونج» رئيس وحدة استراتيجية الاستثمار في «صوفي»، إنه في حين أن مؤشر «إس آند بي 500» ليس في منطقة التصحيح ـ انخفض 10% من الذروة المسجلة في الحادي والثلاثين من يوليو ـ فإن هذا يعني أن السوق لديه مساحة أكبر للهبوط.

وذكر «يونج» أن هناك خطرا أكبر على الجانب السلبي، على الأقل في المدى القريب، وتوقع «جريج بوتل» رئيس استراتيجية الأسهم والمشتقات الأميركية في بنك «بي إن بي باربيا» أن ينهي مؤشر «إس آند بي 500» العام الحالي عند مستوى 3400 نقطة، ما يقل 11% عن نهاية العام الماضي، ويمثل تراجعا 26% من الذروة المسجلة في يوليو.

على جانب مواز، يثير ارتفاع أسعار النفط مخاوف المستثمرين حيال آفاق «وول ستريت» خلال الأشهر المقبلة، وتجاوز خام نايمكس الأميركي حاجز 95 دولارا خلال الأسبوع الماضي لأول مرة منذ نوفمبر 2022، مع خفض إنتاج الخام ونقص المخزونات، ويثير ارتفاع أسعار النفط مخاوف المستثمرين الأمريكيين منذ أمد بعيد، حيث إن زيادة الأسعار ترفع تكاليف الإنتاج للشركات وتجبر المستهلكين على إنفاق المزيد من الأموال على البنزين والتدفئة، ما قد يقلص الإنفاق الاستهلاكي ويضر بأرباح الشركات وسوق الأسهم بالتبعية.

كما يخشى بعض المستثمرين تداعيات ارتفاع أسعار النفط على السياسة النقدية الأميركية، مع مخاوف تسارع التضخم، في حين رفع «بنك أوف أميركا جلوبال» تقديراته لمؤشر «إس آند بي 500» بنسبة 7% مقارنة بتقديراته السابقة بحلول نهاية العام الحالي، ليصل إلى 4600 نقطة، ويعتقد البنك أن ما أسماه «الاقتصاد القديم»، والذي يشمل أسهم القيمة يمكن أن يستفيد بقدر استفادة أسهم التكنولوجيا والنمو.

المصدر

Exit mobile version